مازالت هواتفهما مفتوحة كلاً على الاخر ...... و يتنقل الصمت بينهما .. لكنه طال الصمت هذه المرة ممزوجاً بعدم قدرة السيد على فهم الصمت العميق لمن على الطرف الاخر ........ حاول أن يتمتم بكلمات فخرجت من فييِه غير مفهومة و غير مسموعة بوضوح للطرف الاخر... التى بادرته بدورها
سيدى .... هل لىِ ان استئذنك الان ؟
صمت الرجل لبرهة....... حاول أن يفهم شيئاً ... و نسىَ أن يجيبها طلبها .. فهم متعجلا بالرد
تفضللى ... لست أملك أن ابقيك اكثر ....... لكن أملك قدراً كافيا من احترام رغبتك
بالكاد السيدة على الطرف الاخر بذلت جهداً كبيراً كى لا ينقل الصمت عنها ما لا تريد .. و أثرت الهروب بالاستئذان منه لانهاء المهاتفة .. و إن كان بداخلها قناعةً كاملة أنها لو بقيت تسمعه كل الوقت ... لاُضيف لعمرِها ... أجمل وقت
طابت اوقاتك بكل الخير ...... التقيكَ كما عودتنى دائما .. أغزر مدداً .. و أعمق طيبةً ... و أغنى احتواءاَ
لم تُعطه الفرصة ليرد تحيتها .. لان ردهٌ كان سيبقِيها لوقت طويل .. قد يمنع عنها متعتها بما انتوته سراً.... اغلقت هاتفها بكل الحنو والرقة متعمدة الا تحدث اى صوت .. ينقل له رغبتها بالهروب من الاجابة عن قناعتها بورداته الاربع.
مر يومان، صبيحة يوم ميلادها .. خرجت لحديقة بيتها بمفردها .. جلست على مقعد خشبى بسيط .. و استحضرت أهم عناصر متعتها .. و بدئت تحدثهُ كأنه يشاركها الجلسة والحضور....... رغم أنَ بينهما اميال بعيدة ... و بلادا واسعة .. و معوقات تزيد الاميال بعداً على بُعدها .. و تزيد اتساع الرقعة بين بلديهما اتساعا اكبر من أن يقاس ......... كان هنالك عناصر حياتية كثيرة .. تقف على الضفة الاخرى من نهرهما ..... و كانا بمفردهما على نقيض زحمة ضفة الحياة .. فقط فقط بمفردهما .. يعرفان ان عليهما ان يعبرا هذا النهر يوما ما
حملقت فى وجهه .. كان يجلس جوارها .. ولم يكن وجهه يواجهها.. بل كان ينظر بتركيز الى شىء فى الافق البعيد .. و يتبسم فجاءة.. ثم يقتضب جبينه مرة اخرى .. استحسنت انه لا ينظر مباشرة لها .. حتى تستعيد تماسك حروفها قبل أن تنطقهاَ ..كانت تعرف انها تكلم نفسها .. و كانت تشعر بعمق ان الكلمة تخرج من فمها لتستقر فى اذنه على بعد الالاف الاميال .. فخاطبته بصوت متأثر مملوء بشجن نبيل
سالتنى سيدى عن ورادتك الاربع ........ تكفينى؟ .. وأعرف أنك تعرف الاجابة ........ لا انكر أن ما سيهبوننى مساء اليوم هى تلال من الهدايا الثمينة .. مقرها و مستقرها ادراجى و حوانيتى .. احتراما لمقامات من قدموها....... لكنها تبقى قابعة هناك.، عادةً لا القى الا نظرة واحدة على هدايا الاخرين .. و أشكرهم بود وصدق و امتنان ....فهذا اِتيكيت و بروتوكول ثابت فى تبادل هدايا المجاملات ... و اعرف ان هداياهم ستبقى لسنيين .. و ورداتك قد ستزبل بعد ايام ...... لكنى اعرف اكثر.... ان ورادتك هى رسالة صادقة .. من شخص منحنى ببساطة و صدق الشىء الوحيد الذى افتقده فى حياتى ...... انت وهبتنى الحب يا سيدى ....... أستمحيك عذراً أن اتكفل نيابة عنك .. بجمعها الان .. و اعِدُك ان ورداتك ستبقى امام ناظرىِ كل يوم ... استحضرك منهم .... و فيهم ... وبهم
نظرت بعمق فى وجهه .. فبدت له ملامحه هادئة وقورة ... و بدا لها انهُ يغالب فى إخفاء مسحة خجلْ قفزت الى وجنتِيه
بذكاء و رقة حاولت ان تمحى مسحة الخجل منه فتبسطت مداعبةً اياه متسائلة
شيئان كمْ أوُد ان أسالك اياهما
لاول مرة ادار وجهه ناحيتها مبتسما .. و كان يعرف أن طفولتها لم تغادرها بعد ...
أى شيئين تودين ان تعرفيهما؟
داعبته على الفور قائلة
أولاً لماذا غزا الشعر الابيض رأسك .. دون أن تخبرنى أن ضوء القمر إحتل مِفرق شعرك؟ و ثانياً سأقبل بورداتك الاربع بشرط ان تحدد لىِ الوانهم..
فكر الرجل الوقور قليلاً قبل ان يعاتبها على مداعبتها.. .. فأجاب عن الثانى و تجاهل الاول
الاحمر ... الوردى...... الابيض .......... الاصفر .. ولا تنسِى ان تخبرى سلمى تحياتى
سأضيف وردة بنفسجية او قرمزية الى ورادتك التى اعشق الوانهم مثلك .. ..أماَ سلمى .. سأبلغها اننى اضفت الوردة الخامسة لاجلها
هز الرجل رأسه بالموافقة ... و قفزت السيدة . مثل الاطفال من مقعدها .. و جَالت ببصرها فى حديقتها .. لتختار الوان ورداته .. رمقته قبل ان تغادر مجلسه بنظرة استئذان، و راحت تفتش فى حديقتها لتتاكد من الالوان التى اتفقوا عليها للتو
عندما عادت بعد دقائق للمقعد ...... وجدته خالياً .. فعرفت انه انصرف .. تاركاً لها حرية التصرف و رافعا عن نفسه أى حرج .. ابتسمت لنفسها .. و حملقت فى السماء الزرقاء الممتدة و تمتمت .. يَاربّى .. يا عــّلام الغيوب .... ثم سكتت و لم تشعر أن دمعتين اوشكتا على احتلال مأقيها .. .. أومئت براسها الى الورود الندية فى يدها كأنها تخاطبها نيابةً عن صاحبها الغائب .. ثم انصرفت الى داخل البيت
......
مرت أوقات و أوقات ..... و جَرتْ مياه كثيرة تحت الجسور ... و مازالت السيدة الطيبة .. تعيش على حُلمها الجميل البسيط فى بلادها البعيد .. و مازالت فى كل عيد ميلاد لها تحتفظ بورداته .. جنباً الى جنب .. فقد كانت تمتلك مهارة خاصة فى الزهور و الورود .. تجعلها تحتفظ بها بين دفتى كتاب او فى أقنِية خاصة .. تساعدها على الاحتفاظ بنضارة الوردات لاطول وقت ممكن ..... و مازال الرجل الهادىء البسيط .. يعيش الحلم .. كما تعيشه هى و ينتظره .. و الاغرب انه يمللك احساسا قويا أن الحلم سيتحقق يوماً ما .... و الاكثر غرابة انها تشاركه الاحساس و أكثر منه إيماناَ به حلماً و املاً ايضا
......
و ما زلت أنا بانتظار أن احقق أملى و اكتب عن سلمى ... سِرهماَ الجميل ..... دون أن أدرى أنا كينونة الاسم و سره حتى الان .. و إن كنت بالطبع اعرف اسم صديقى الرصين بحكم صداقتنا، و اعرف اسم السيدة الراقية بحكم ثقتها بىِ التى نصحها بها صديقى الطيب الوقور .. و كلما ألححت على الرجل الرصين الذى لاحظت ان ضوء القمر يزيد فى راسه مع مرور السنيين .. و بحكم كونه صديقا منذ زمن بعيد كلما ألححت عليه أن يخبرنى ماَ السر فى اسم سلمى الذى يتوددان به الى بعضهما البعض احيانا ؟ .. كلما اتحفنى بصمت عميق من ذاك النوع الذى يمارسه مع محبوبته و تفهمه هى ........ سالته مراراً و مارس الصمت معى مراراً ... لم افهم صمته تكراراً ... فصارت حصيلتى اصفاراً ....
و عندما عاتبته على هذا الصمت الذى ليس لمثللى ان يفهمه .. عاتبته بحق صداقة السنيين بيننا .. بِودْ وأدب و احترام كبير.... أجابنى الرجل ...
" يا عمر اعرف انك دائما عجول و فضولىِ، ..انتَ غيرى يا عمر، .. تحرقكك عصبيتك.... و يوترك نَزقكْ .. ودائما تستعجل الاشياء ....... إن كان عِندك أمل أن تعرف عن سلمى شيئاً، ... فقط عليك ان تنتظرنا عام كامل ربما تسمح لنا الظروف بذلك ربمـــا ... اُمورً كثيرة يا صديقى ليست بيدنا ........ لكن بيدنا شىء بسيط اسمه.......... الأمل"
تحياتى، عمر المصرى