الاثنين، 4 أكتوبر 2010

الخروشة الـ 47 ــ ... اربع أسئلة وخمس إجابات





مضى وقت طويل منذ اخر لقاء بين الرجليين ....... وكما تعودا هما .. وكذلك كما تعودنا نحن ، أن يكون الحوار بينهما غالباً يكون مثل حوار بين طرفى مقص ... لكلاً منهما وجهتهُ و اتجاههُ  و قد تكون متباعدة اغلب الاوقات، ولا ينضما لبعضهما الا وقت السكون و التوقف عن الحركة مثل طرفى المقص ..... لكنهما يتذكران دائماً أن ما يربطهما هى نقطة تمركز واحدة و ثابتة .. تماما مثل النقطة ذاتها فى المقص... التى إن تفككت ... تقطعت بهما الاوصال .. و صار المتاح محال.

كان الرجل صاحب الفصحى الهادىء يمسك ورقة بيضاء حاول ان يخفى مضمونها عن الرجل صاحب العامية ذو اللسان السليط .. الذى استفزه هذا التصرف ... فغلبتُه عصبيته و اندفاعه الانفعالىِ .. وقفْ فجاءةً .. وبدا كأنه سوف يلقى خطبة عصماء بصوت جهورى ......  و كان بدوره يتكلم كأن بين يديه ورقة بها خطبة مكتوبة ،..بينما بالفعل يديه كانتا فارغتين إِلاَ من قلم بسيط كان يشيح به يميناً و يسارا........ فقال:

.. إقر انا الموقع ادنا و اعلاه ......... و براه .. وجواه ......... ، المقيم ببيتنا رقم كذا ... بشارع كذا ... بمحافظة كذا .... بجمهورية كذا  ... احمل رقم هبابة قومية رقم كذا ...  "محدش يسالنى أأقصد ايه بكلمة كذا.... واللى هيسالنى هادب صباعى فى عينه مباشرةً" ....... أُقر واعترف و انا بكامل قوايا العقلية ...  و الصحية ....  و النفسية .... و الفوقانية و التحتانية

. إنتظر إنتظر يارجل .. .... ماذا تقصد بِقواكْ العلوية والسفلية ..!؟

.. اسكت يا جدع انتا .. متلخبطنيش  و تبوظ رصة الكلام فى دماغى .. انا مصدقت عرفت اتكلم شوية نَحّوى زيكم .. خللينى اكمل بلاش غلاسة

. لا ...  لن اسكت لأننى شممت فى كلامك......  رائحة خروج عن النص

.. لا خروج عـ النص..... و لا دخول فى النُوص  . ....  سِبنى اكمل كلامى الله يهديك على الصبح

. لك هذا .. عفواً للمقاطعة ... أكمل إقرارك ... وانت المسئوال عما يوحى به كلامك من سوء النية و فحش التلميح

تجاهل رجل العامية بمكره......  تجاهل ما سمع ...... و مضى يُكمل ما بدئه .. غير مبال  بالمقاطعة

.. إقر واعترف و انا بكامل قوايا العقلية و الصحية و النفسية و الفوقانية و التحتانية ... انو الجدع بتاع الفصحى  اللى هوا شريكى فى الخروشات طلع لا مؤاخذة راجل لئيم ... و موش راجل طيب زى ما الناس فاهمة ....... و الدليل انه محضر ليا شوية اسئلة اليوم و مخبيهم فى الورقة اللى فى ايده .. وناوى يطلع عينى .........  و يفضحنى قدام اللى يسوى واللى ميسواشى .............  يا واش يا واش يا واش .. بس على مين..!!؟؟

. سامحك الله ... تقصدّنى انا بالطبع ........ لن اغضب من وصفك .. سامحك الله مقدماً .. كل ما فى الامر أننى استهوتنى اربع أسئلة ... استخلصته .. من تركيبتك العجيبة والغريبة ... فأردت أن اسالك إياهاَ ... عّلنى .. اُميط اللثام عن ما تخبىء انت فقط ..... فهل لىِ ان أسألك اسئلتى الاربع؟

.. لا يا حدق ...... انتا تدينى الورقة بتاعتك وانا معايا القلم بتاعى ........ و هاكتب الاجابة بنفسى .. و ممكن كمان اسجلها رسمى فى  الشهر العقارى لو موش مصدقنى


حاول رفيق الفصحى ان يكتم ضحكة أُوشكت على الخروج منه .. فلم يكن يتوقع أن يكون العامى محترساً لهذه الدرجة .. لكنه باى حال احترم طلبه .. فاخرج ورقته بأسلتها الاربع ... و مدها له.

حملق صاحب العامية الماكر النزق .. حملق قليلاً فى الورقة و توجس شراً من الاسئلة ... حتى قبل ان يقرأ الاسئلة كان أضمرْ فى نفسه شيئين ... الاول .. أنه سوف يجيب بكل صراحة عن كل سئوال إحتراما لرفيقه و صديقه الوحيد فى هذه الدنيا ...... اما الامر الثانى الذى اضمره فكان امراً يتناسب تماما مع تركيبته و شخصيته

.. كده تمام  يا باشا ....... تسلم ايدك  ..... و انا بحترمك اوى ....... و عشان بحترم و يحترم حروفك .. هامخمخ اوى قبل ما اجاوب

. هأ انا أقرضتك أسئلتى ... قرضاً حسناً ..... فهل تهبنى منحة مجانية قبالة قرضى الحسن؟ إجابتك أقصد؟

.. ده انا هاوهبك احلى منحة ....... معنديش اغلى منك يا غالى ...... يا باشا أنا أطول!!؟ ... ليا احلى شرف انى اجاوب على قرضك  قصدى اسئلتك .....و هامنحك احلى اجابة....... و ممكن احلف لك بالطلاق كمان انى هاجاوب بكل صراحة ..... يسلام عليك وعلى ادبك .. يا راجل  يا عسل

. حفظك الله من كل شر ...... وادام عليك صحتك و عافيتك .. صحتك  التى تآكلت قوتها فى السنين الاخيرة ...... ما يدهشنى حقاً .. انه كلماَ أصابك صائب ... استعنت بمن خلقكْ  ولم يُعيدك خائب

.. اسكت بقى متصدعنيش و تجرنى لموضوع تانى .........  خّللينى اعرف اتنيل اكتب ....... بقولك ايه؟ عندى فكرة عسلوز .. ممكن تروح تتمشى شوية و تشرب فنجان قهوة .. وترجع بعد شوية  ... أكون انا خلصت الهباب  الاجوية؟

. فكرة صائبة .. ارفع عنك ضغط حضورى ... و تاخذ انت كامل حريتك  ...... ساعود لك بعد قليل ... سلاماً.. طبتم

.. الله يسلمك يا خويا ........ هوينا بقى

إبتسم بود و صدق .. إبتسم صاحب الفصحى و هو يضم كتاباً صغيراً تحت إبطه .. لملم عويناته و وضعه فى جيبه و خرج ليتمشى.

بعد أقل من نصف ساعة عاد الفصيح ممسكاً بيده  بوردة حمراء هدية لنصفه الذى تركه ليكتب اجاباته

. هل غبت كثيراً عنك؟ 

.. نورت يا باشا... وردة ليا؟ يا نهاااااااااااار ابيض ...... كده بدئت اقلق منك ...... ياعم خلي الوردة لموزا  ...... مع انى عارف انك مالكشى فى الموضوع ...... على كل حال  تسلم ايدك .... و أدى يا عم الورقة ااقرا براحتك ..... والله والله كتبتها بكل صدق

امسك صاحب الفصحى بالورقة ..... ادرك للوهلة الاولى انه تعرض لخديعة ....... إعترف لنفسه انه كان يتوقع ان يكون الاخر  واضحا فى اجابته ... سوف يكون صريحا بالفعل ... لكنه كما توقع ايضاً .. تعمد صاحب العامية شيئاً .. سّبب لصاحب الفصحى الارتباك لبعض الوقت .. و قرر ان يقرأ الورقة مرة اخرى عسى ان يجد ضالته ..


.  السئوال الاول ... علل ...... لماذا دائما تخسر اشخاصاً ... كنت تعتبرهم اصدقاءاَ .. ثم سقطوا منك.؟

.. مرة زمان كنت مسافر مع المدير بتاعى بره ..... الست مراته طلبت طبق من الأكل غالى جدا .. طلبت النوع الغالى لجوزها ... الراجل قعد يتفرج على الطبق.. ويبحلق و يلعب بلسانه جوا بوئه... و لم يمد ايده للطبق ... انا استغربت على الناس الغريبة دى....... و بعدين اتنحنح كده وقال لى .... عمورة يا بنى....  ممكن تقوم بالطبق ده عشان خاطرى ؟..... انا استعجبت اوى .. و مفهمتش حاجة  لكن عشان ميزعلشى  وكمان عشان حبيت افهم ايه الائصة معاهم ... اكلت الطبق الغالى  و الصراحة كان لذيذ جدا ....يخرب بيتهم ويخرب بيت اكلهم اللذيذ... المهم .... بعديها بصيت فى عين مراته .. وفهمت كل حاجة من سكات الست... فهمت انا كل حاجة ......... فهمت انت بقى أى حاجة من اجابتى دى؟ .. انا جاوبت والله  


. السئوال الثانى: .. هل وانت فى العِقد الخامس من عمرك ... مقتنع انك لديك القدرة كى تدخل تجربة حب جديدة ..؟

.. شوف  هاقولك بصراحة .. أنا مقتنع و مليان إقناع كمان ..ان موش كل الناس ممكن تركب مع بعضها او على بعضها ،  عارفك إنك هتضحك الان من كلامى لان نيتك موش حلوة.. انا كلامى بنية كويسة و مقصدشى حاجة كده والا كده، لا سمح الله .. انا بكرر كلامى تانى اهوه ... موش كل الناس ممكن تركب مع بعضها .. واللى يقع يقع بقى ..هوا حر   

. السئوال الثالث : .. رغم ان معظم الناس .. تعتبر المال عنصر مهم جداً جداً للحياة ... إلا انك .. لا تشاركهم الراى.. هل لانك لست طموحاً ... أم لانك  تفتقد القدرة على هذا .... ام لانك تستند لمال الاخرين .. أم عندك تفسير خاص اخر ..!؟

.. شوف بجد والله ....... لما تكون عارف ان ايديك شاطرة ..... و رجليك عارفة بتتحط فين بالظبط ..... و موش بتبص على ساعة ايدك بندم ... و لو عرفت ان عينك بتعرف تقرأ بجد .. موش  ضرورى تقرا كلام مكتوب.. المهم  بتعرف تقرأ حاجات تانية مهمة...... لو عرفت كل ده .... هتبقى فهمت اكبر رسالة مؤدبة ممكن تبعتها للناس   

. السئوال الرابع: ... لماذا اصبحت غير اجتماعى ....... و تجد صعوبة كبيرة فى التأقلم و الاندماج مع الاخرين .... هل هذا مرض،... او غرور،.... ام توحد،.... ام رسالة غير مباشرة للاخرين ؟

.. طبعا يا حدق .. زى الفل يا معلم  ......  جوايا نضيف ... ممكن يكون جوايا شقى شوية لكن نضيف ..  انا أأقدر  حتى لو دخلت فى العقد اللى لابساه  الست الجميلة اللى ماشية فى الشارع دى برضو أأقدر....... يا راجل يا لئيم ..مسألة ااقدر  أو مقدرشى  سيبها على الله ........ المسألة بجد...  ان يكون ده مهم فى حياتك .. و هينورها لقدام .. .......ده المهم يا حاج    








قرأ الرجل عاشق الفصحى، قرأ الورقة مرتين .. مع انه صاحب الاسئلة ... لكنه حاول بكل حهد ان يجد رابطاً بين السئوال و الاجابة التى تلته ..... فى المرة الثانية بحكم صداقة السنيين بينهما .. امسك باطراف الخديعة التى توقعها ... عندما حللها و بّدل اماكن الاجابات من مكانها الخاطىء الى مكانها الصحيح ........ و جد الاجابات المنشودة ..... إبتسم لنفسه .... فقد منحه الرجل صاحب العامية متعة جديدة إضافية للمتعة التى توقعها فى صدق الاجابات ....... شعر ان ذو العامية كتب كل حرف بصدق و فلسفة عجيبة و بسيطة ايضا .......  و بعثر كل اجابة بمهارة .. قد تزعج البعض و بالمؤكد ستمتع من يفك طلاسمها

. لن تتغير......... مراوغ انت ...... أشك ان والدتك الكريمة  ارضعتك من ثديها لبناً أضٌيف له تركيبة خاصة من المراوغة و العبث و الرغبة فى التمتع ببعثرة افكار الاخرين .......... لكنى أُشهد الله أننى استمتعت بالمراوغة اكثر من صدق الاجابة

.. يا عم بلاش تهويل ...... انت إديتنى الاسئلة و طلبت اجابة صريحة صح؟ ..... و انا عملت اللى اتفقنا عليه ...... صح؟ ولعلمك بقى .. لو حد سالنى عن المكان الصحيح لاى اجابة .. موش هاقوله ... لانى اصلا اصلا نسيت حطيت الاجابة فين .... المهم جاوبت و خلاص ...... رصص انت بقى المسائل و هتلاقى اجابة لكل سائل ..

. صح ..... انت صادق ...... و صاحب حق ....... رواغتنى كعادتك ... و اعرف انك  كنت تعرف.... أنى سوف اعرف ........ الاجابات الحقيقية اين موضعها الصحيح

.. عشان تحرم تيجب لى وردة حمراء  تانى ..... سيب الحركة دى للناس اللى زى حالاتى يا حاج ..... المهم عايز تقول حاجة قبل ما نشطب الخروشة ونقفل؟

. نعم عندى سئوال لم اكتبه ....... لكنه طرأ على مخيلتى .. عندما سمعت فى اول الخروشة تصيح و تجول و تخطب و تنتفخ اوداجك .. هو ليس سئوال بمعنى السئوال ... اعتبره استفساراً فقط ... لان كلماتك  و قتها افزعتنى .. وظننت بك السوء

.. السوق والا الغيط موش مهم ........ خلص بقى  .... عايز تقول ايه؟  عشان عايز امشى .. المخيخ بدء يطلب  زيت

لملم الرجل الفصيح كل ادبه فى لسانه حتى لا يستفز الاخر .. فتخرج اجابته عصبية موجعة .. متفاديا ان تنتهى الخروشة بتوتر فقال لصاحب العامية بصوت خفيض ودود.

. ماذا تقصد بِقواكْ العلوية والسفلية ..!؟ كما أسلفت فى بداية الخروشة .. أريد اجابة مباشرة بدون مراوغة منك .. واعرف كم انت حاذق و ماهر فى المراوغة ........ أجب مباشرة

.. خدها مباشرةً .. زى شوطة من ابوتريكة  و فى الجون كمان ....... لما قلت لك قوايا الفوقانية و التحتانية ... كنت أأقصد اى راجل مننا ... يملك قوة واحدة بس من القوتين .. يبقى خايب ....... لا يمكن قوة واحدة تسد أو تغنى عن القوة التانية.... ويبقى ناقصه حاجة مهمة جدا ممكن تسبب له مشكلة كبيرة اوى .....  او فضيحة موش كبيرة اوى ...... و أى حد يقولك غير كده.... يبقى حمار لا مؤاخذة ...و كداب منغير لا مؤخذة .....

انا بتكلم بأدب اهو ..... عشان عارفك  بتخاف من جراءة كلامى ..


الاجابة بحد ذاتها اخرست الرجل المهذب الوقور .. فلم يجد إلا ان يلتزم الصمت كأنه ما سمع شىء .. وبين وبين نفسه ... شعر ببعض الندم على فكرة الاسئلة مع رجل لا يتحسب لاى شىء ... فوُدعه الفصيح بسلام من الله و لم ينتظر رد السلام ... وخرج وحيداً للشارع.


نلتقى فى خروشة جديدة بأذن الله
تحياتى / عمر المصرى





















الأحد، 3 أكتوبر 2010

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة