الخروشة الثامنة عشر ... قلم رصاص وممحاة ( استيكة)
" بتحفز كبير .. جلسا قبالة بعضهما البعض .. ود مَن يشاهدهما الان أن يهم بالضحك .. فالقلم يقف بقامته الفارعة منتصباً على سن اسود مدبب متأهب .. بينما الممحاة ترتكن الى جوار ورقة بيضاء فى صمت و دعة .. و تترقب اخطائه المتكررة لتبدأ عملها على الفور مصححة له اخطائه .. و حاذفةً كل ما يخلفه القلم ورائه من عثرات الحروف ... التى قد تسببه له مصائب جمة دون أن يشعر بخطورة حروفه .... فكان حجم التحفز الباد عليهما، يدلل لنا ان صراعا سوف ينشب بينهما "
- القلم – أنا ما كتبت حرفاً ... حتى أراكِ متوثبة متحفزة هكذا ... طاب صباحك ايتها الممحاة المزعجة
- الاستيكة – صباح الخير يا عم الغلاط ... انا اول ما اشوفك ناوى تكتب ... على طول بقوم ااقف على حيللى
- القلم – هذه طبيعتك ... فأنت بكل الاحوال ... تستمدين اهمية وجودك من حروفى
- الاستيكة – لا يا عم المغرور ... ليه متقولش إن حروفك المهببة ملهاش اى قيمة من غيرى ؟
- القلم – هذا غير صحيح .. فأنا بداخلى طاقة... اخرجها لابدع ... وانت ليس لك اى نافذة ابداع
- الاستيكة – انت بتسمى الكلام الهباب اللى بيطلع منك ده ابداع ؟ يا راجل اتكسف على دمك .... بلا خيبة
- القلم – أتقصدين أن ما اخطه ليس له قيمة؟
- الاستيكة – ليه قيمة طبعا...... على عينى و راسى يا سيدى ... بس بشرط
- القلم – أى شرطأ هذا .. يا دميمة الحواف
- الاستيكة – اللهم طولك يا روح ... افهم يا مغرور بقى .. كلامك بيبقى ليه قيمة .. بشرط إن انا لازم اتدخل كل شوية ... و امسح لك الكلام المهبب اللى ميصحشى تكتبه
- القلم– انت تتدخلين بحوافك المتأكلة بدون استذان .. و تفسدين علىٍ حالى مع نفسى
- الاستيكة – لازم اتدخل يا عم الطويل ... لانى لو سبتك مع نفسك بدون فرامل .. بيطلع منك بلاوى رزقا .. المفروض تشكرنى و تبوس ايدى كمان ... بدل ما تتريق عليا كده
- القلم – انا اسخر و اتهكم من شكل حوافك المتاكلة .. ودائما يَعلق بها هالات سوداء او رمادية .. تزيدك قبحاً على هيئتك المنبعجة الدميمة
- الاستيكة – انت فعلا عديم الاحساس ... هاقول ايه بس يا ناس؟ .... الحواف اللى انت عمال تتريق عليها دى ... اتكلت و اتهرت عشانك .. وعشان حروفك ... حوافى يا مغرور يا عديم الاحساس كل يوم تتاكل شوية بشوية بسببك ... وبسبب الهباب اللى بتخرفه ... فعلا.. الاحساس نعمة يا عديم الاحســاس
- القلم – انا اتفهم ما قلتى ... لكن لا احس أن لك افضال فى هذا... لانك ببساطة تتقدمين و تضحى بحوافك و اجزائك بدون طلب منى ... فكيف احسبها تضحية منك ؟ ومن ثم ليس هناك ما يدعونى لاشكرك على شىء
- الاستيكة – احيانا يا بنى ادم ... موش بنبقى منتظرين من اللى محتاج مساعدة انه يطلبها بنفسه ... لانه اصلا اصلا .. موش بيبقى حاسس انه محتاج مساعدة .. وده طبعا اكبر غباء منه .. ومع ذلك يا سيدى انا بتدخل و اصلح وراك ... حتى بدون ما تطلب حاجة
- القلم – لا اعلم من اين تستحضرين كل هذه القدرة على تفادى الحقيقة ... بكل حال انتَ مزعجة جداً ... حتى فى نقاشك
- الاستيكة – عارف ليه انا مزعجة؟
- القلم – ليتنى اعرف ... لاتخلص منك ومن ازعاجك
- الاستيكة – هاقولك مزعجة ليه بقى ... و متزعلشى من صراحتى .... لانك يعنى يعنى لو ربنا اعطاك شوية موهبة تكتب ... لكن كمان ربنا اعطاك عمى البصيرة .. والمكابرة ... بتبقى عايز تعيش لوحدك .. و موش حاسس باللى حواليك ... اللى بيحبوك او على الاقل خايفين عليك ... بتنكر قيمة غيرك عشان تكبر قيمتك ... ولما الراجل منكم ... ااقصد ولما القلم منكم .. ياخد قلم فى نفسه زيك كده .. بيبقى فعلا اعمى البصيرة
- القلم – تفتقدين الى الكثير من الكياسة .. وتعلم ادب الحوار ... حتى مفرداتك سمجة و مستفزة
- الاستيكة – قصدك بتوجع
- القلم – ليس بالضرورة
- الاستيكة – اعملك ايه؟ كلامك كله غرور و قلة ذوق ... جايز انا موش بعرف ارص الحروف زيك ... لكن.... لما تغلط فيا موش هاسكت ..... وهارد عليك خبط لزق .. ولا بيهمنى
- القلم– يبدوا انى قد اوجعتك قليلا .. بودى ان اعتذر لك ..
- الاستيكة – حتى فى الاعتذار مكابر... و دمك تقيل ... موش هاين عليك تعتذر .. انا فهماك كويس اوى
- القلم – كدت اعتذر بحق ... لكن اعترض على قولك انك تفهمينى .. لو كنت تفهمين مقاصدى لما غضبتى هكذا
- الاستيكة – يا خويا تعترض أو ماتعترضشى انت حر ... انت كده لما تتزنق .... تفضل تحاور و تناور وتلف و تدور..... كأن الاعتذار ده جريمة و فضيحة ..و جرسة ... اتنيل اسكت بقى فورت دمى على الصبح ... منك لله
" توتر الجو بينهما .... شعرت الممحاة أنهـا تعرضت لاهانة كبيرة ... بل شعرت بما هو اقسى من الاهانة ... شعرت أن وجودها فى حياته كأنه قدر مقدر فقط... وليس هناك من يٌثمن وجودها و تضحياتها ... وايضا ليس هناك من يهتم بمشاعرها .... و الادهى أنها شعرت انه تعمد اهانتها بشكل قاس جداً .. ... حتى كل تضحياتها اصبحت مبعث سخرية و تهكم ... انزوت الممحاة و اتخذت ركناَ بعيدا ...ً و بكل كبريائها بكت فى صمت .... و غالبت نفسها .... و استجمعت كل قوتها كى لا يخرج لبكائها صوت... فتشعر بالاهانة .... و يشعر هو بالزهو و متعة قهرها.."
" بينما صاحبنا القلم ذو القامة الطويلة الفارعة و الوجه الحاد الملامح ... تململ فى جلسته قليلاً ... كان متاكداً انه اخطأ .. فما يصح له ان يكلمها و يقرعها بهذه الطريقة .. فقرر سراً.. أن يصالحها دون ان يقدم اعتذاراً صريحاً مباشراً .. كعادته دائما ما يلجأ للحيلة و المراوغة .. و ينجح للاسف فى هذا ليس لان الاخر لا يفهم .. بل لانه كان حاذقـاً و ماهراً فى الالتفاف حول الحقيقة .. وايضاً يعرف نقاط ضعف الاخرين فيسرع باحتوائهم منزلقا الى دواخلهم من خلال ثقوب الضعف .. ولم يعترف لنفسه ان تصرفه بهذا الشكل .. ليس مقبولاً ولا اخلاقياُ بأى حال "
- القلم – ممحاتى الطيبة .. ايتها البيضاء الناعمة الساحرة .. اين انت؟
- الاستيكة – انا هنا يا سيدى .......... نعم عايز ايه؟
- القلم – لا شىء سيدتى.. فقط لاتاكد انك مازلت معى هنا
- الاستيكة – يعنى هاروح فين .. ارغى يا اخويا .. عايز تقول ايه تانى بعد اللى قلته
- القلم – ابداً .. فقط كنت اود ان ادعوك لشرب القهوة
- الاستيكة – موش بشربها ريح دماغك بقى .. وابعد عنى شوية
- القلم – يبدو ان جميل الروح مزاجه ليس على ما يرام الان
- الاستيكة – ولا يهمك يا سيدى ... يعنى انتو بيجو منكم ايه غير وجع القلب
- القلم– لا تضحكينى بخفة دمك المعتادة ... ايتها المرنة ... الرقيقة .... صاحبة البشرة البيضاء
- الاستيكة – مالك يا راجل انت،.. قصدى يا قلم انت .. مخك اتلحس والا ايه ... اللهم اجعله خير .. بخاف اوى منك لما تتمحلس كده ....... مالك ؟
- القلم – لا شىء يا كريمة العنصرين .. فقط كنت احاول ان أهدأ من روعك
- الاستيكة – روعى؟ وده يطلع ايه يا عم المغرور؟
- القلم – لا شىء... فقط شعرت انك تالمتى.. بغير قصد... فوددت أن اطيب خاطرك .. فنحن شريكين لا يستغنى احدهما عن الاخر
- الاستيكة – اخيرا حسيت انك عكيت فى الكلام؟ طبعا كلامك زى الزفت بيوجع.. وانا متاكدة انك كنت تقصد كل حرف
- القلم– اعرف ان بشرتك بيضاء ناصعة البياض ... واعرف ان داخلك اكثر بياضا حتى سويداء قلبك الطيب .. ولست قلقا من عصبيتك الان و اتفهم سببها
- الاستيكة – متشكرة يا عم الناعم ...... وبعدين تعالى هنا بقى.... اخيرا عرفت اننا شريكين؟ .... حدق انت والله العظيم .. لو تبطل الغرور اللى فيك ده هتبقى زى الفل
- القلم – هل ترتجفين قليلا الان؟
- الاستيكة – بتغير الموضوع؟ ماااااااااااشى ...
- القلم – لا شعرت انك بالكاد تتكلمين بصعوبة وتوتر
- الاستيكة – أصل انا ياخويا موش واخدة على الكلام زيك ........... انا واخدة على المسح .... تحب امسحك شخصيــأً ...!! ؟
" ضحك القلم كاتماً غيظه .. متقبلاً رد فعلها فهى محقة بكل الاحوال .. بينما ضحكت الممحاة و هى تشعر بأنها بدئت تسترد زمام الامور منه .... الان فقط تبخر من حوارهما التوتر و التربص و حدة اللفظ وقسوته .. وتبدل الحال قليلا الى نوع من المزاح ... يستتران به عن البوح برغبة غامضة .. و إن كان داخلهما أيضاً رغبة اخرى فى طى هذه الجفوة المتكررة الحدوث بينهما ... "
- القلم – لما تجلسين بعيداً .. اقتربى جوارى كى اسمعك بوضوح و تسمعينى
- الاستيكة – نعم يا اخويا؟ ... أنا سامعاك كويس اوى.... بطل بقى الحركات دى و خليك دوغرى .. عايز ايه
- القلم – أود بحق أن تجلسى جوارى .. و ستشعرى بالارتياح .. أعدك بهذا
- الاستيكة – يا سيدى على الثقة بتاعتك
- القلم – بل تودد
- الاستيكة – لا... لؤم
- القلم – قولى .. ترقيق
- الاستيكة – لا .. هاقول ... مكر
- القلم – قولى كيفما اتفق لك ... لكن بودى ان نجلس على مقربة من بعضنا
- الاستيكة – و ايه السر بقى .. ايه اللى طلعها فى دماغك دلوقتى
- القلم – لا شىء... فقط تاكدت ان ليس لاحد منا أن يستغنى عن الاخر... والا ... ارتبكت حياته و فقدت قوامها الصحيح
- الاستيكة – يا سيدى عليك و على روقانك .......... بموت فى حروفك دى... طلعت روحى من الصبح ليه لما انت بتعرف تقول كلام حلو كده
- القلم – لا اعرف لماذ كنت فظاً هكذا ... لكن اصدقك القول ... انه احيانا يتملكنى شعور بتضخم الذات ... اكبر من رغبتى فى ان اتواضع
- الاستيكة – بالمناسبة ......... هو انت بتعرف التواضع؟
- القلم – أعرف كل شىء ... اعرف الزهو ... واعرف الانكسار ... واعرف الحاجة والعـوز .... واعرف الانـدحار ... واعرف النـزق .. واعرف الدوار
- الاستيكة – خلاص خلاص ... ارجوك بلاش الكلام الحزين ده .......... تعالى تعالى اقعد جنبى و ريح نفسك شوية .. عرفاك لما بتدخل الحالة دى ... بتخلينى اعيط بجد ... تعالى يا عم ااقعد جنبى .. يمكن ترتاح شوية ......... او يمكن تحس بيا ...
" .. أقترب القلم برفق و تودد الى ممحاته الصبورة .. جلس جوارها .. وأقترب اكثر منها حد الملامسة .. شعرت الممحاة باعتذار صريح لكن مبطن يصدر منه .. فتقبلت اقترابه دون أن يظهر منها اى تصرف ينم عن فرحتها به، .. أظهر القلم وقتها مشاعر ود كبيرة ... و كتمت هى مشاعر رضى و ارتياح ... "
- القلم – ما هذا؟
- الاستيكة – مالك... فيه ايه؟
- القلم – ما مصدر هذه السخونة يا الله
- الاستيكة – سخونة ايه يا جدع إنتا ..!!!؟ إتلم و إتأدب .. وإلا ... احطلك السيخ المحمى فى صرصور ودنك
- القلم – اشعر بسخونة داخلى .. فى قلبى و فى عقللى ... حتى فى اطرافى ... و حتى فى ضميرى ... أشعر عندما أقتربت منك أن شيئاً قد اشتعل داخلى .. ولا افهم السبب .. عله خيرً !!؟
- الاستيكة – يسلام على غلاستك ... عايز كل الى مسحته وراك ده كله و موش عايزنى اسخن؟........ كمان انت متنيل لازق فيا وموش عايزنى اتنيل اسخن ....... قوم من جنبى ... يا عديم الاحساس ... اقلام عديمة الاحساس بصحيح .. وعديمة الذوق كمان
" ... ضج القلم و الممحاة – الاستيكة -ضجا بالضحك ... و جعلا من ضحكهما ستار يخفيان خلفه كل المشاعر المتناقضة التى تولدت بينهما.. وتاكدا فيما بينهما سراً... أن لكل منهما دور مكمل للاخر... فلا مناص من وجود الاخر .. إنتحى القلم جانباً و ابتعد عن ملامسة الممحاة .. التى بدورها فهمت حيلته ... و ردتها اليه بذكاء كحيلة ذكورية مكشوفة .. كشفتها و أيضاً رفضتها برقة انثوية بارعة .. "
" فهو لم و لن يتوقف عن أسوء عاداته بعدم الاعتراف علانية بدور و تضحيات الاخر .. مفسراً أن هذه التضحيات تصدر من الاخر وليدة مشاعر الاحتياج له ... حتى وإن كان فى أغوار نفسه يشعر بقناعة كاملة أنه بدون الاخرين لن تستقيم حياته .... حتى و إن كان أمهر الاقلام تعبيراً و مهارةً "
" بينما الممحاة .. وإن اقتربت منه و حاولت إحتوائه بأسلحتها الخفية الناعمة.. لكنها تدرك أن هذا حاله منذ يوم رافقته الرحلة و لن يتغير، و الاكثر الماً لها أنها تجد صعوبة شديدة فى الرحيل عنه و مفارقته.. ليس لانها ضعيفة لدرجة التدنى و الهوان .... بل لان فى داخلها شعور اعمق و اكبر من أن تكتمه عن نفسها .. ....... فخسىء كل قلم متغطرس ... و طوبى لكل ممحاة تتأكل "
تحياتى / عمر المصرى،