الخميس، 25 فبراير 2010

الخروشة الثانية: كرسى الا ......


غرفة ضيقة بسيطة و ضوء خافت، بالكاد يتبين لنا دخول شخصين متماثلين فى الهيئة، و يحمل احدهما مقعد خشبى بسيط على كتفه
و يدلفان بهدوء الى منتصف الغرقة، و يبدء حوار بينهما:

- صباح الخير، ايه اللى انتا شايله ده على الصبح؟
= طاب صباحك، ... كما ترى... هذا مقعد بسيط
- شكلو موش بسيط، ده عامل زى الكراسى اللى بيحطوها الجماعه بتوع النيابة والتحقيق، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم
= لا تخف صدقنى، فقط استرح، واجلس وانا سأبقى واقفاً.. استرح عليه كى تسمعنى جيداً و تجيبـنى بصدق قدر مستطاعك
- هوا فيه ايه..؟ انت ناوى تعمل تحقيق معايا؟
= لا لا، فقط حوار داخلى بينى وبينك.. و اعدك فى المرة القادمة نتبادل الاماكن و الادوار
- أه  يعنى سين وجيم و الحاجات دى؟ مفيش موشكل يا باشا... انا موش خايف منك طالما هنبدل الكرسى بينا المرة الجاية، .. خد راحتك.. بس خليك فاكر انك هتقعد مكانى الاسبوع الجاى .. كما تدين تدان يا معلم
= كما ترى الغرفة ليس بها سواى واياك وهذا المقعد البسيط، سأسالك بضع اسئلة افتراضية ولك ان تجييبنى بصدق و صراحة قدر امكانك
- ماااااشى يا معلم، طفى النور و أقفل الباب كويس،  وخد راحتك على الاخر .. لما نشوف ااخرتها معاك ايه
= إن خيرتك بين رئاسة الدولة او الزواج بإمراة اخرى ... ايهما تختار ؟
- نعم يا اخويا....!!!!؟
= كما سمعت
- ايه الحيرة دى، هى الحكابة ناقصة لخبطة؟ كانك بتخيرنى بين الشيكولاتة و طريق راس الرجاء الصالح... ايهما احلى
= لا تمزح ولا تتهرب
- حاااااااااااضر، يا عم دى سهلة اوى، الناس احيانا بتتنيل على عينها و تتجوز تانى، قال يعنى موش تابوا من اول مرة، و كمان مكدبشى عليك  أصلى موش بفهم فى السياسة خالص يبقى ازاى اختار اابقى ريس؟
=  بالمناسبة، فى بلادنا ليس شرطاً ان تفهم فى السياسة كى تكون سياسياً
- اتلم
= احدث بالحق و الحقيقة ليس شرطاً ان تفهم فيها
- قصدك يعنى انفع اابقى ريس و انجعص وارقع قرارات و حاجات جامدة كده؟
= أذا اخترت... كما خيرتك فى سئوالى .... ستصل لهذه الحقيقية
- طيب يا سيدى طمنتـــنى، أصل موضوع الجواز تانى ده  صعب  شويتين... خلينا فى الهباب المريسة ... ارحم
= إذاً  انت رئيس الدولة الان... هل بمقدورك إصدار بضعة قرارت تصلح حال الامة؟
- أمة ايه وأبة ايه ..... بتتكلم جد؟ يعنى ادب شوية قرارت تخللى الناس تحس انها بشر و بنى ادميين بحق و حقيقى؟
= نعم هذا ما قصدته انا ... امتعنى بما ستقرر
- أولا امنع الضرب و الشتيمة
= نعم؟ هل هذا قرار رئاسى مهم؟
- طبعا يا معلم  انتا فاكرنى بهرج، ... ده مهم جدا
=  و ما اهميته يا فيلسوف
- يا باشا  لو منعنا الضرب،  الناس  ستات و اطفال وحتى رجاله ... هيحسوا انهم بنى ادمين .. و نرحمهم من الاهانة و المسخرة و قلة القيمة .. الدنيا هتمشى صح على الاقل بين الناس
= ضرب الاطفال و فهمته، هل لك ان تخبرنى عن ضرب الرجال و النساء؟
- الرجاله بتضرب و بتتهان وبتتحطم رجولتهم فى الاماكن اياها يا معلم ... و الاطفال بتضرب فى المدرسة وفى البيت و احيانا فى الشارع  .. والستات أحياناً بتنضرب بشكل حيوانى من البهايم اللى اتجوزوهم غلط  ...  وصلت؟
= وصلت، لكن  إهدا قليلاً و حاول أن تختار الفاظك بعناية و كياسة فأنت الان رئيس دولة يا رجل
- يعنى يا خويا اللى اتكلمو بالشوكة و السكينة نفعونا بايه ؟  انا اتكلم براحتى لا مؤخذاة والا نفضها سيرة
= لالا ... خذ راحتك تماما ... بمناسبة الضرب.. لى سئوال بينى وبينك .. هل سبق ان مارست الضرب او مورس الضرب عليك؟
- جزر
= لما الفيتو؟
-  بلاش احراج قدام الناس
= موافق،  ليس هناك مدعاة للاحراج بكل حال، .. الان هل لى ان اعرف ثان قرار لك وانت رئيس ؟
- حاضر..خد عندك... تانى قرار ... الناس كلها بعد شهر رمضان الكريم .. باقى ايام السنة بقى... تصوم يوم وتفطر يوم
= قرار غريب و عجيب، لم افهم فلسفته و إن كانت الشريعة حددت لنا متى نصوم و متى نفطر ... أراك ستخوض فى موضة الافتاء بغير حق او علم
- لالا   فهمت غلط انتا، انا ماليش فى فى كده.. انتى دماغك راحت بعييييييييييييييييييد، انا ااقصد حاجة تانية خااااااااااالص، .. اصل انتا لو اخدت بالك.. الناس و هيا صايمة بتبقى مؤدبة و حنونة وزى النسمة،.. لا حد بيزعق ولا بيشتم ولا بيضرب ولا بينم ولا بيكيد ... تلاقى الناس فى حالة نضيفة جدا و مغسولة .. عشان كده عايزهم يصومو يوم اه  ويوم لا .. على الاقل تبقى الدنيا ااقل قرف و ااقل هم ... صدقنى لو تتخيل الموقف .. هتبصم بالعشرة على قرارى
= أنت رجل غريب.. لا اعرف من اين تباغتك هذه الافكار الغريبة مثلك .. الاغرب ان كلامك للاسف صحيح
- موش عايز تعرف كمان قرار ؟! ... شكلك زهقت
= لا .. لكن ما زال عندى اسئلة اخرى .. احاول ان ارتب صياغتها حتى تفهمها بوضوح وبساطة ... دعك من الرئاسة، فكما سمعت منك الان تفهمت انك تفهم فى السياسة بطريقتك الخاصة جدا .. انت تجرد الاشياء من ثيابها سامحك الله
- الله يسامحك يا حج، اصل الشىء و الحاجة لما تبقى عريانة  تبقى واضحة ائوى .. بتوفر الوقت بدل اللف و الدوران
= لى سئوال ثان
- احنا قعدنا نصف ساعه فى سئوالك الاولانى ... شكلنا هنبات هنا الليلة .. يالا هات يا معلم السئوال .. خش ولا يهمك
= اعرف جيداً انك تؤمن ان المطلق هو وجود الله سبحانه و تعالى
-  وكمان المؤكد .. هوا الموت .. لازم كلنا نفيص فى يوم من الايام
= اعلم ان هذا معنى المطلق و المؤكد  عندك منذ زمن طويل، ولا احسب ان احداً يختلف فى هذا .. لم تاتى بجديد، بكل حال أنا لم اسالك بعد
- فين السئوال بس وانا معاك والله و الاوضة ضلمة و الباب مقفول و مفيش غير انا وانتا ... توكل على الله
= ما معنى الثقة  فى مفهومك ؟
- شوف يا سيدى.. انا لما اركب طيارة موش بكون عارف السواق ومع ذلك غصبا عننا كلنا بنثق فى شخص مجهول و يمكن اول مرة اعرفه او يعرفه كل اللى فى الطيارة .. كمان الدكتور لما يفتح بطننا و يقعد يفعص و يخرم ويشيل و يحط و احنا طبعا فى البنج موش حاسيين بشىء  لكن قبل البنج والفتح و الجراحة  بنكون سلمناه نفسنا حتى بدون منعرفه .. ممكن تسمى دى الثقة؟
= ليست هذه الثقة التى سالتك عنها، نحن تقريبا مجبرون وليس لنا حق الاختيار وقتها، هذه امور مفروضة علينا
- طيب بلاش دى ... خد غيرها .. مثلا مثلا يعنى الست مراتك .. موش بتأمنها على بيتك؟ و مالك؟ وعيالك؟ و شرفك؟........ تقدر تقول ان دى هيا الثقة؟
= ايضا هنا نحن لسنا بصدد ثقة الزوجة بقدر ما نحن بثقة من المؤتمنِ و المؤَتمنُ عليه ... هذه ثقة مصنوعة بيننا بأتفاق مسبق
- طيب خد كمان دى... لما بتركب اتوبيس و تسافر .. اكيد موش بتتدخل فى شغل السواق ولا بتقوله يمين ولا شمال ولا سرع ولا هدىِ ... بتفضل قاعد متحنط مكانك .. ممكن توصل بالسلامة و ممكن السواق يبهدلنا كلنا ... احنا بقى سلمنا رقابتنا للسواق ليه؟
= هل تقصد ان هنا موضع الثقة؟ هذه ايضا ثقة مجبرون عليها مثل قائد الطائرة الفرق الوحيد اننا هنا ممكن نشاهد ما يحدث امامنا على الاقل ارحم كثيرا فى التغييب فى الطائرة
- موش عاجبك ولا حاجة من اللى قلتهم لك ؟
= يا رجل، انا الذى سالت السئوال وانت بلؤمك المعهود طرحت ردودك بصيغة السئوال و رددتها الىِ و جعلتنى كالابله اجيب نيابة عنك
- لا والله حاشا و ماشا ، موش قصدى اترازل عليك  لكن قصدى افهمك بشويش انك بعد ما سالت عن المطلق و المؤكد خلتنى ااقولك بدون منقصد انا ولا انتا، خلتنى ااقولك يعنى ايه شىء نسبى .. ممكن يتغير بظروفه مهمن كان يا باشا .. من الاخر يعنى ... الثقة دى حاجة نسبية  بتروحى و بتييجى حسب ظروفنا و ظروفها .. حسب حاجات كتير موش فى بالنا خالص ... حتى لو اخدت بالك  هتلاقى اجابنى دلوقتى برضو نسبية  هههههههههههههههههههه سامحنى
= لا اعرف من اين أتتنى فكرة المقعد و الغرفة المغلقة و المظلمة و الحوار و الاسئلة .. لكنى على الاقل الان عرفت ان الفكرة لم تكن صائبة بالمرة... فقد ارهقت نفسى معك .. و ايضاً منحتك فرصة كى تسخر منى و لو بشكل مؤدب غير مباشر
-       والله  ابدا، انت بقيت حساس ائوى كده ليه، انا بحاول افهمك انى بعرف افكر زيك... موش ااقل منك ... بحاول افهمك بشويش أننا ممكن احيانا نستقل و نستهيف حد... بدون ما نشعر ... بس اللى يغيظ فعلا انه ممكن يكون... لا قليل و لا هايف ولا جاهل، بالعكس  ممكن يكون عنده نفس المفهومية بتاعتنا بس اللى بيفرق  الطريقة اللى بيتكلم بيها او بيقول بيها اللى جواه...و الدليل ان كلامى جايز ميكونشى فرحكك .. لكن حسيت ان كلامى النهاردة عمللك صدمة صغيرة ..
-        موش من حقك يا باشا تجيب كرسى و تقعدنى و تحبسنى تحت سئولاتك،... موش من حقك تعمل كده خبط لزق  بدون ما تعرف ان موافق والا  لا على القعدة دى
= بدئت تغضب؟ ام هذا تقريظ منك؟ ... لم أقصد باى حال تسفيه رائيك او افكارك او قناعاتك .. الحق كنت اود بمحبة و ود ان افتح للاخرين سبيل جديد ليعرفوك
- يا خويا متخفشى الاخرين دول احسن منى ومنك كمان ... بقولك ايه؟ شكلك بتبوظ القعدة عشان تتهرب من الاسبوع الجاى؟  انتا نسيت اتفقنا على ايه؟
= باختصار و بدون حساسية ... انتظر بلهفة و شوق ان اجلس مكانك الاسبوع المقبل .. حتى استمتع بك وانت تقف و تدور حولى، تلملم و تشحذ اسلحتك و مهاراتك كى تعصرنى على المقعد هذا
- انتا راجل مية مية، اوعى تكون زعلت منى النهاردة، و انصحك تروح تقرأ  شوية كتب و تذاكر كويس قبل ما تقعد على الكرسى المنيل ده............ و قعتك سودا الاسبوع اللى جاى

تضاء الغرفة، و ينهض احدهما من على مقعده و يعانق الاخر فى مرح و محبة لا غبار على صدقها، بينما الاخر يبتسم فى تودد و يمد يده لياخذ المقعد الفارغ قبل  ان يفتح مزلاج الغرفة، ربما ليتعود على صحبة المقعد قبل ان يشرفه بالجلوس يوما ما،... تسمع قهقهة من كان جالساً على المقعد طوال الحوار و هو يحاول ان ترتفق ذراعه اليمنى الكتف الايسر لرفيقه ليستند عليه ، ثم يهمهم بكلماته ليست واضحة لنا فى اذن رفيقه .. الذى لم تندى عنه سوى ملامح ابتسامة خجولة نصفها محبة و نصفها تحفز

تحياتى / عمر المصرى،


إجمالي مرات مشاهدة الصفحة