من حّى عين شمس فى أقصى شمال العاصمة،... آتت السيدة رشيدة .. إمرأة فى أواخر العقد الرابع من العمر لكن ملامحها تدلل على انها أكبر من سنها المدون فى الاوراق التى حملتها فى يدها ... أوراق تثبت هويتها و ايضاً تشرح حالتها المرضية الصعبة و تعلل اسباب مرارة حياتها.
و من مدينة العياط فى أقصى جنوب العاصمة ..... المترامية الاطراف .. جاءت الحاجة أنوار .. سيدة فى العقد السادس من عمرها .. بثوبها الاسود البسيط الذى يناسب عمرها و يناسب ايضا حالها و قدرتها... و قد احضرت أوراق كثيرة أمسكت بها بكلتا يديها ... فهذه الاوراق هى من سوف يقدمها بشكواها و حالها الى من جاءت لاجل مقابلته و لقاءه .. طالبةً يد العون والمساعدة
جلست السيدتين .. فى صمت ... لملمت كلاً منهما نفسها داخل ثوبها الشعبى المحتشم .. بالكاد .. حضرا الى وسط العاصمة بعد قضاء صلاة الفجر ببيتهما .. ثم همتا بالتحرك الى وسط العاصمة ........ جمعهما مكان واحد ........ و لسبب واحد ... لمقابلة شخص واحد ... حتى بدون أن تكون إحداهما تعرف الاخرى من قبل ..فسبحان من جمّع أصحاب الحوائج و من مسهم الضُر فى ايام حزينةً لا تُفرح ولا تَسر
رشيدة : صباح الخير يا اُمى ... متزعليش .. لما شوفتك بتعيطى و تخبى وِشك بكف ايدك عشان محدش يشوف دمعتك .. قلبى اتقطع .. عشان فكرّتينى بأمى لما كانت بتبكى فى السر .. و موش عايزة حد يشوف دمعتها .. أُمى كانت زيك كده ....... رغم فقرنا لكن كانت حساسة من مَدةْ الايد للناس .. ولما البكا يخاويها كانت تبكى لوحدها منغير ما حد يشوف دموعها
أنوار : ولا يهمك يا بنتى....... أنتى كمان صعبانة عليا ... انا عينى عليكى من الصبح .. من وقت ما قعدتى على الرصيف وانا عينى عليكى .. البكاء يا بنتى .. بيغسلنا ... و بينضفنا من وسخ الفقر ... سّبينى ابكى ... حتى البكاء هيبقى بالطلب و السماح؟
رشيدة : عندك حق والله يا حاجة ...... والله المرض بيبقى امتحان من اللى خلقنا و موش هينسانا .. لاننا عبيده .. المرض امتحان من ربنا أو يمكن كفارة ذنوب ... موش المرض اللى مبكينّى ..لا يا حاجة .... متضحكيش عليا لما ااقولك أن اللى بيبكينى هو العلاج موش المرض
أنوار : أزاى يا بنتى؟ بقى العلاج هوا اللى بيخلليكى تعيطى موش المرض؟ هيا الدنيا اتقلب حالها يا ناس...!؟ على كل حال ... الحال من بعضو يا بنتى
رشيدة : أيوا يا أمى....... أصل العلاج غالى و إحنا ناس فقرا ... يعنى اللى جاي على قد اللى رايح .. والله يا حاجة 3 عمليات عملتهم من المرض الخبيث.. بعيد عنك وعن السامعين .. المرض الخبيث فضحنا ...انا حتى مكسوفة من بنتى العيلة الصغيرة دى....... مكسوفة منها وهى شيفانى فى قعدة الذل دى ... 3 عمليات يا حاجة استحملت وجعهم ... لكن موش قادرة استحمل و جع كلفة العلاج .. انا جوزى موظف غلبان ..وانا كنت بشتغل عشان اساعده فى المعيشة ....... لكن العياَ و المرض هدونى... و مبقتش اشتغل .. والراجل المسكين حمله تقيل تقيل
أنوار : لا حول ولا قوة الا بالله العلىّ العظيم ...أنتى لسه عيلة يا بنتى على كل الهم ده ....... من شاف بلاوى الناس هانت عليه بلوته .. قطعتى قلبى يا بنتى ....... الله يكون فى عون جوزك.. مسكين الراجل والله ........ دلوقتى فهمت كلامك ان العلاج همه أكبر من المرض ... انا كمان بنتى شابة و زى القمر لكن المرض هدها ....... موش واجعنا المرض،... واجعنا يا بنتى علاج الكلى ...... عندها الحصوة فى الكِلية .. ولما بيجيلها نوبة الوجع .. تصرخ بعلو صوتها .. وبتقطع قلبى ... واللى كسرنى وكسرها و كسر ضهر ابوها... كلفة العلاج يا بنتى 65 جنيه كل شهر .. وإحنا ناس على قد حالنا ... و جيت النهاردة زيك أقابله ..
رشيدة : تقابلى مين يا حاجة؟
أنوار : الريس ... يا بنتى
رشيدة : تفتكرىّ يا حاجة .. هيعّبرنا؟ هيسمعنا؟ .. هوا الريس بيحس بالغلابة ....... وإلا الناس دى موش بيحسوا بحد ؟
أنوار : والله يا بنتى علمى علمك ....... احنا ملناش حد غير ربنا ........ و كمان ربنا هيسأل الناس دى عننا يوم الموقف العظيم
رشيدة : .. لكن يا حاجة الخلق بقت كتير ..والامراض كترت ... والرزق بيضيق على الناس ...... كل الحاجات دى الريس عارفها؟
أنوار : طبعاً يا بنتى عارفها ... موش بتسمعيه فى الراديو و هو بيخطب .. ويقول ان الفقرا هما اللى بيهموه فى البلد دى
رشيدة : والله سمعته كتير يا حاجة و صدقته .. عشان كده جيت من الفجر و انا قاعدة على الرصيف .. و ااقابله و اكيد اكيد هيصرف لنا العلاج فورا حتى قبل ما نقوم من على رصيف الشارع و نرجع بيوتنا هيكون الريس الله يستره و يطول عمره .. هيكون آمر الموظفين بتوعه يريحونا على الآخر زى ما بيقول فى الراديو والتلفزيون
أنوار : انا سامعه يا بنتى زيطة وهيصة ودوشة جامدة جاية من اخر الشارع ....... يظهر الريس جه
رشيدة : صح يا حاجة ... موتوسيكلات كتيرة قدامه ماشية .. أول ما يعدى بعربيته من قدامنا .. نجرى نروح له .. و اكيد هيوقف عربيته و هينزل يتكلم معانا ... وكده يعنى
أنوار : طبعا يا بنتى ..ده الريس راجل طيب و بيحس بالفقرا ... هيقف و يحل لنا كل المشكلة .. و يمكن كمان يسأل باقية الناس الواقفة لو عايزين اى مساعدة
رشيدة : طيب هاتى ايدك يا حاجة عشان ااقومك... لازم نقوم بقى و نقف .. عشان لما يقّرب بعربيته ننزل من الرصيف و نروح نشاور له و نوقفه ...
أنوار : خدى يا بنتى بايدى الله لا يسيئك ........... انا جاية من آخر الدنيا من الفجر قاعدة القعدة دى
رشيدة : يا حظنا الوحش يا حاجة انوار .. الراجل عدا وفات ولا حس بحد ..... يادى الحظ اللى عارف صحابه .... يا نااااااااااااس ..... والله العظيم حرام كده ...حرااااااااااااااااااااااااام
أنوار : لا حول ولا قوة إلا بالله ........ كده ياريس؟ ولا تقف و لا تسأل ؟ وإحنا اللى كنا متكليين انك هتقف مع الغلابة ........ الله يسامحك على البهدلة وقلة القيمة دى ............ واحنا الغلابة يتولانا اللى خلقنا ...... متزعليش يا رشيدة يا بنتى ... كل شىء بأمر الله
رشيدة : يا حاجة انوار .. ده انا جاية من حىّ عين شمس .. و متبهدلة فى المواصلات عشان ااجى ااقابله ... يقوم يفوت كده ولا حتى يكلف نفسه يشوف العباد ايه اللى ناقصها او ايه اللى واجعها؟
أنوار : يا بنتى ده حتى العساكر زقونا .. انا يا ست يا كبيرة .. كنت هاقع على ضهرى من زق العساكر فيا ....... الله يسامح كل حىّ .. الامر لله يا بنتى ........ قلت لك اللى خلق عباده موش بينساهم .. متزعليش و قومى خدى بنتك و روحى بيتك .. ومتزعليش من الريس ... يمكن مشفناش او فيه حاجة مزعلاه فى بيته ... ما هو كمان عنده بيت وعيال زينا يا بنتى... يمكن دمه متعكر شوية من مشاغل الحياة و همْ البيوت .. هوا فى الاول و فى الاخر برضو بنى آدم زينا ....... تلاقيها برضو لما بيتزنق فى ضيقة زينا كده.. بيبقى زعلان و مقهور و عاجز و مكسور الخاطر ... الله يسامحه و يسامحنا
رشيدة : ايوا يا حاجة أنوار........... انتى قلتى الكلمتين اللى فيهم الفايدة ... والنبى انتى ست طيبة آوى آوى..... صح يا حاجة أنوار ... الله يسامحه و يسامحنا
كما حضرت السيدتين الى قلب القاهرة بأمال كبيرة كانت فكرة مقابلة الرئيس أمدتهما باحتمال قابل للتحقيق فى حل مشاكل الحياة .. ... يعودان الان الى بيوتهم الفقيرة..ليس بالامال التى خابت أو الاحتمالات التى لم ولن تتحقق .. لكن عادت السيدتين الان و داخل كلاً منهما يقين لا يقبل الشك ... أن الله لن يخذلهما حينما يشكوان إلى جلالتِه... ضعف حالهماَ... و هوانهماَ على الرُعاة فى الارض
تحياتى .. ونلتقى فى خروشة جديدة بأذن الله
عمــــر المصـــــــرى